عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع رادار نقدم لكم اليوم وزير شيخ العرب بطنطا .. سيدي عبد المتعال الأنصاري – موقع رادار
وزير شيخ العرب بطنطا
سيدي عبد المتعال الأنصاري
رحلة الشيخ والمريد لأربعين عاما
سأل المريد شيخه: “كيف تبردُ نار النفس؟” قال : بالاستغناء، استغنِ يا ولدي فمن تَركَ مَلَكْ .قال المريد : “وماذا عن البشر؟”قال : هم صنفان من أراد منهم هجرك وجد في ثقب الباب مخرجاً، ومن أراد ودك ثقب في الصخرة مدخلاً…وربما عبر هذا الاستشهاد لمولانا جلال الدين الرومي تتضح لنا فلسفة خاصة بالقوم وثنائية لا يمكن اغفالها ولنتوقف عندها لمحاولة الفهم ،وهي ثنائية الشيخ والمريد ، فماذا يقصد بالشيخ ؟..هل يقصد به شيخ المسجد الذي يؤم المصليين أم يقصد به شيخ المسجد الذي يخطب الجمعة ؟أم يقصد به الشيخ الذي تلقى خطبه على شرائط الكاسيت قديما وتعبأ بها قنوات اليوتيوب الآن ؟من هو الشيخ في القاموس الصوفي وماهو تعريفه عند هؤلاء القوم؟
ليس كل هؤلاء هو الشيخ الذي يقصده المتصوفة في كتاباتهم أو أدبياتهم أو مقولاتهم ،انما الشيخ هو طراز من عنصر بشري مختلف فبحسب ما أورده الإمام أبو حامد الغزالي معرفا الشيخ المربي بقوله كتابه ” الإحياء ” :” من أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق : الاول : أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس ، مطلع على خفايا الآفات ، ويحكمه في نفسه ، ويتبع إشارته في مجاهدته ، فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه،ويعرفه طريق علاجه …”وهذا الشيخ قد بلغ من حال الوصال مع الله أن يكاشف مريده بما يدور في قلبه لا على لسانه فتقول الحكمة الصوفية “إذا جالست وليا فاحفظ قلبك فإنهم جواسيس القلوب ” ،هذا الشيخ المنوط به في المقام الأول مسؤولية واضحة وهي التربية بحسب فلسفة الإمام الغزالي فلذا المسمى المتكمل للفظ الشيخ عند القوم هو “الشيخ المربي ” يهذب نفس المريد ويروضها ثم يعالج آفاتها لتشرق فيه الروح ،فالنفس هي الطبيعة النارية والمكون الناري الذي كلما أعطيته طلب المزيد والزيادة ،هذه النفس التي تقود الجسد وتحركه فتتحكم فيه بعنصر النارية كون الجسد من تراب وامام الانقياد الأعمي للجسد أمام مطالب النفس من مال وسلطة ونفوذ ورياء ،تخفت شعلة الروح التي هي قبس من نور ونفخة من الله ،تخفت طالما اشعلت النار جموحها في الجسد .فتأتي مهمة الشيخ في ترويض الأولى وسكينة الثانية وبهاء النور الإلهي في سلوك ابن آدم ،ليصب لمرحلة مقاربة للتوصيف النبوي :”قرآنا يمشي على الأرض “.
ولعلك صادفت عزيزي القاريء اتهام القوم بالابتداع في تلك الثنائية –الشيخ والمريد – وربما علت الأصوات مستهجنة ومستنكرة ومتسائلة “من أين جاء الصوفية بثنائية الشيخ والمريد وما أصلها في دين الله ؟” وقبل أن أجيبك فعليك أن تستطع معي صبرا لأخبرك أن تراث الصوفية يخبرنا بأن الشيخ قد يكون أقل منزلة في العلم أمام العوام من المريد ..وستبادر بالتساؤل قبل أن ستتكمل وتقاطعني وتقول كيف ذلك ؟ لأذكرك بما طلبته منك تأدبا أن تستطع معي صبرا ،فهذا يونس إيمره القاضي المشهور في تركيا يلف البلدان باحثا عن شيخه المربي قيلتقى بشيخه “بتابتوك ” الرجل البسيط والذي يبيع الحطب ويصنع منه معالق الخشب ،وهذا هو الإمام الشعراني شيخ الأزهر يتتلمذ على يد سيدي علي الخواص الأمي فيربيه ويعرفه طريق الوصل والوصال ،ثم أعود مرة أخرى لأجيبك عن أصل المسألة بين الشيخ والمريد في الدين الإسلامي …ويكون الاستشهاد بصحة الثنائية وأصلها في دين الله بقصة الخضر ولي الله مع النبي موسى كليم الله وسلام الله عليهما ،ففي المرتبة المتعارف عليها فإن سيدنا موسى من أولى العزم وهو نبي ورسول لذا فإنه أعلى مرتبة من الولي الخضر ،لكن عبر هذا الرحلة التعليمية يتعلم كليم الله من ولي الله الذي هو أدنى من رتبة ودرجة تعاليم وأمور بقول رسولنا الكريم “لو صبر أخي موسى ” كنا قد عرفنا أكثر .وأخير أستشهد لك أخي القاريء بما أورده الشيخ ابن تيمية نفسه المرجع الاول” للسلفية الوهابية” قال ابن تيمية رحمه الله :” واما انتساب الطائفة إلى شيخ معين فلا ريب أن الناس يحتاجون من يتلقون عنه الإيمان، كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلقاه عنهم التابعون ، فكما أن المريد يحتاج إلى من يعلمه القرآن ونحوه ، فكذلك يحتاج إلى من يعلمه الدين الظاهر والباطن “.الفتاوى ( ج 11 / ص 12).
كان لزاما أن نسطر تلك الأسطر محاولين التدرج طالما سنطرق باب الوزير ،وزير من نوع آخر ،ليس له حراسة تحرسه ولا أوسمة موضوعة على صدره بل هي أوسمة محفورة في الروح ،ليس للوزير مكتب إعلامي يتطلب إذن المقابلة واللقاء ،عند هذا الوزير علية القوم أقل درجة من مساكين القوم ،فالاولوية للمساكين والمنكسرة قلوبهم والحيارى ، هو وزير شيخ العرب- سيدي أحمد البدوي- ،وهو التلميذ الأول للشيخ المربي وهو المريد الذي التقى شيخه أو بالأصح التقاه شيخه ليعلمه ويؤدبه ويؤهله لأن يكون من أهل الصفة وأهل الولاية ،الوزير سيدي عبد المتعال الأنصاري .
نعطي لمحطة القطار ظهرنا ،نقود أجسادنا عبر شارع “السكة الجديدة” تتراص محلات الحمص والحلاوة ،هي طنطا ،تتلقفك أصوات الباعة “حب العزيز يا غالي” لا غرابة أن تجد رجلا يسير بثياب متسخة حافي القدمين ،لا تعترض على خلق الله ،تذكر فقط الحديث الشريف “عبد اشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره” ،تخلع نعليك لتدخل رواق المسجد الأحمدي ،على يسارك غرفة صاحب المقام وعمدة المدينة وشيخ العرب “السيد أحمد البدوي ” الأستاذ والمعلم بحسب تسمية القوم وتبجيلهم لهذا الولي ،بضع خطوات داخل المسجد تلتفت على يسارك مرة أخرى ،لكن لا تنس أن :”الملتفت لا يصل ” تكشف لك غرفة تتشرف بمقام مربع ،هنا مقام الوزير والتلميذ سيدي عبد المتعال الانصار الوزير الاول لشيخ العرب .
نعود بالزمن إلى الوراء بضعة قرون ،نتتبع القصة كأنما نشاهدها في بعد زمني حالي لحقبة سابقة ،الولي الصالح السيد أحمد البدوي تأتيه الرؤيا والدعوة للذهاب الى مدينة طنتدا ،طنطا الحالية هكذا كان اسمها ،آتيا من العراق الى مصر مع تغير الأجواء والسير بين المدن قاصدا طنتدا ،تتورم عين الولي الصالح ،كان مشهده غريبا بتلك الثياب البدوية ولثامه الذي يضعه على وجهه ،رآه مجموعة من الأطفال فالتفوا حوله من بينهم طفل ابتسم له كأنه يعرفه أو قل هو يعرفه وقد قادته خطواته ليلتقي بالمعلم فكله بإذن الله ،يلحظ الفتي وسط الصبية تورم عين الرجل الغريب،فيتقرب منه ، يضع السيد أحمد البدوي يده على كتف الغلام ويطلب منه أن يذهب للبيت ويطلب من أمه بيضة ليضعها على عينه التى رمدت وتورمت ،لكن أسرة الطفل فقيرة ،رغم أن ابوه كان من فقهاء البلدة ،وتركه متوفيا فكان يتيما ،لكن الغلام توجه لأمه التي أحست بالخزي لأن سلة البيض فارغة ،فتوجه الغلام عائدا محملا بالهزيمة أمام طلب البدوي الغريب عن قرية “فيشا سليم” ،فألتقاه الولي الصالح وأخبره أن يعود مرة أخرى للبيت سيد السلة مملوءة بالبيض بإذن الله ،استشعر الغلام هيبة في ملامح ذلك البدوي ،عاد لأمه يخبرها أن السلة مملوءة ،فتعجبت الأم ومدت يدها داخل سلة البيض لتحاجج أبنها وتخبره أنها فارغة بالدليل أمام عينه ،فكانت كرامة المعلم الأولى للتلميذ ،هنا اندهشت الأم ،ضمت قلبها لصدرها ،غير أن الفتى اندفع حاملا البيضة لذلك البدوي الغريب ،وقدم له البيضة ثم قال له :”انت ملأت السلة بالبيض “فقال السيد أحمد البدوي رضي الله عنه :”لست أنا يا ولدي ،انسب الفضل لله ،ما أنا إلا عبد فقير غريب كما تراني لا أعرف أحدا هنا” .وكأنما كلمات الشيخ قد حفرت ودا ومحبة داخل قلب الصبي الذي بات ملاصقا له ،لا يفارقه ،فخشيت الأم على ولدها من ضياعه بمصاحبة ذلك الرجل ،فقالت لابنها سيدي عبد المتعال الأنصاري :” يابدوي الشؤم الذي أخذك مني ،هل تناسيت أنك ابن الفقيه شمس الدين الجمجموني سأرسلك إلى عالم دين من صحبة أبيك يفقهك ” ،لكن الفتي كان متعلقا بشيخه تعلقا أشبه بروح انست ملعمها ،فلما دخل الفتي عبد العال الأنصاري على شيخه السيد احمد البدوي ،ابتسم الشيخ في وجه تلميذه ومريده ثم قال له :”لا تحزن أمك يا عبد المتعال ،لكنها لو كانت قالت يابدوي الخير لكان أفضل من بدوي الشؤم ،اذهب لأمك واخبرها انني عيني عليك وانك ابني منذ يوم قرن الثور” وعلى الفور توجه الفتي مسرعا لأمه يخبرها بما حدث ومحاولا أن يفهم من أمه ما قصة يوم قرن الثور ،فلما سمعت الأم ما قاله الفتي ابنها ،قالت :”هذا الرجل من كبار أهل الله يا ولدي ،وليغفر لي الله أني اخطأت في حق رجل من رجالاته ” فطلب منها الفتي أن يعرف ما هو يوم قرن الثور ،فقالت الأم :” أن يوما ما وكنت رضيعا ياولدي ،لففتك في خرقة ودخلت بك حظيرة الأبقار ووضعتك في مكان بعيد عن الأبقار،فلما فك ثور رباطه وذهب ليأكل فتعلق قرن الثور بلفافاتك القماش وأخذ يدور بك وهرعت مسرعة جراء هياج الحظيرة ،فوجدت يدا امتدت وأنزلتك سالما ودفعت بالثور بعيدا ” واكملت الأم اذهب ياولدي ليكن مشربك وعلمك على يد هذا الولي الصالح .
فرافق التلميذ شيخه اربعين سنة ،ولا غرابة أن نتوقف عند العدد وسره وما يحويه رقم الاربعين من خصوصية وسر ،بعدها انتقل سيدي أحمد البدوي ليعيش سيدي عبد المتعال الأنصاري أو عبد العال الأنصاري عقب وفاة وانتقال معلمه واستاذه ستين عاما الا عامين ،أي عاش ما يقارب بضع وتسعين سنة،فهو قد ولد 625عام هجرية وانتقل وتوفي عام 733هجرية ناقلا عن أستاذه خلاص ما تعلمه منه عبر هذه الرحلة الروحية والتربوية والدينية موجزه في هذا الدستور الذي أقره الأستاذ-سيدي أحمد البدوي- على تلميذه بقوله:” يا عبد المتعال: إياك وحب الدنيا ؛ فإنه يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل !!.واعلم يا عبد المتعال : بأن الله تعالى قال في كتابه المكنون : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُم محْسِنُونَ ) (سورة النحل – الآية الأخيرة.) يا عبد المتعال : أشفق على اليتيم ، واكس العريان ، وأطعم الجيعان ، وأكرم الغريب والضيفان عسى أن تكون عند الله من المقبولين. يا عبد المتعال : عليك بكثرة الذكر، وإياك أن تكون من الغافلين عن الله تعالى.. واعلم أن كل ركعة بالليل أفضل من ألف ركعة بالنهار!يا عبد المتعال : تأدب مع المشايخ. ولا تكن منكرا على فقراء المسلمين جميعهم. . يا عبد المتعال : أحسنكم خُلقا أكثركم إيمانا بالله تعالى ، والخلق السيئ يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل !!. يا عبد المتعال : هذه طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة ، والصدق والصفاء ، وحسن الوفاء، وحمل الأذى ، وحفظ العهود .ثم قال : وأوصيك يا عبد المتعال : لا تشمت بمصيبة أحد من خلق الله تعالى ولا تنطق بغيبة ولا نميمة ، ولا تؤذ من يؤذيك ، واعف عمن ظلمك ، وأحسن لمن أساءك ، وأعط من حرمك).
من داخل مقام الوزير والتلميذ للسيد أحمد البدوي
التعليقات