قدم الجنود والضباط الذين خدموا فى نظام بشار الأسد أول لمحة تفصيلية عن كيفية انهيار القوات المسلحة السورية، على الرغم من سنوات من التدريب وإعادة التنظيم من قبل روسيا، في غضون 12 يومًا فقط.
وتحدثوا إلى صحيفة “تليجراف” البريطانية عن حالة الغضب التي يشعرون بها ومخاوفهم بشأن مستقبلهم، متهمين رؤساءهم بخيانتهم، وكشفوا عن حالة الانهيار الكامل في سلسلة القيادة، والانهيار في الروح المعنوية ثم الفوضى مع تقدم قوات المتمردين بسرعة البرق نحو دمشق.
ونقلت “تليجراف” عن بشار الإبراهيم، واحد من الجنود الذين تحدثوا للصحيفة، قوله إنه رغم تفوقهم من حيث القوة البشرية والأسلحة، كانت معركة لم يكن من الممكن للجيش أن يفوز بها في المقام الأول.
وقال: “هناك سببان لهزيمتنا. أولاً، كانت الرواتب هزيلة للغاية. لا أحد يريد القتال مقابل 30 دولارًا [24 جنيهًا إسترلينيًا] شهريًا. ثانيًا، لم تأت الأوامر. ماذا كان من المفترض أن نفعل؟ أردنا فقط العودة إلى عائلاتنا والخروج من الجنون، لأكون صادقًا. كنا مستعدين للسقوط وسقطنا”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه كان ملازمًا في الفرقة المدرعة الرابعة، وكان متمركزًا في الأصل بالقرب من هناه، وهي قرية جبلية قريبة من الحدود اللبنانية ثم، عندما هاجم متمردو هيئة تحرير الشام، الحركة التي تدير البلاد الآن، مدينة حلب، أُمر بالتراجع إلى مقر الفرقة في قدسيا، بالقرب من دمشق، للاستعداد للدفاع عن العاصمة السورية.
وأضافت الصحيفة، أن الفرقة الرابعة كانت الوحدة الأكثر نخبوية في الجيش السوري، بقيادة شقيق الأسد الأصغر، ماهر، وثبت أنها ليست كذلك على الإطلاق.
وصف الملازم إبراهيم جوًا من الذعر بين الضباط والرجال على حد سواء عندما رأوا مدى سرعة استسلام زملائهم في حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، والتي سقطت في يد هيئة تحرير الشام المسلحة وحلفائها في غضون أربعة أيام.
ورغم أن حلب كانت على بعد أكثر من 200 ميل، إلا أنه قال إن الرعب كانت منتشر على نطاق واسع من هيئة تحرير الشام لأن الجنود ظنوا أنهم إرهابيون من تنظيم داعش تحت ستار جديد.
ويبدو أن الهدف من تقديم هيئة تحرير الشام، التي قطعت علاقاتها بتنظيم القاعدة في عام 2017، بهذه الطريقة كان تعزيز عزيمة الجيش. ولكن نظراً لأن تنظيم داعش كان يقطع رؤوس الجنود الأسرى بشكل متكرر وينشر لقطات الفيديو على الإنترنت، فقد كان لذلك تأثير معاكس.
وقال من جانبه، وائل سليمان، الرقيب المتمركز على مشارف حلب، والذي تراجعت وحدته بسرعة قبل وصول المتمردين ” كنا خائفين حقًا. كنا نعتقد أنهم سيقتلوننا واحدًا تلو الآخر”.
وأوضحت الصحيفة أن داعش لا يزال يتمتع بموطئ قدم في سوريا على الرغم من هزيمته على يد تحالف تقوده الأكراد وتدعمه الولايات المتحدة في عام 2019. في الأسابيع الأخيرة، نفذت القوات الأمريكية في البلاد غارات جوية على مخابئه لمنع الجماعات المسلحة من الاستفادة من الوضع الحالي.
مع سقوط حلب منطقة تلو الأخرى وتزايد الشعور بالذعر، سمع الرقيب سليمان رسالة على جهاز اللاسلكي الخاص به. وأكد: “لقد طُلب منا التخلي عن كل شيء، والتخلص من أسلحتنا وزينا العسكري والخروج. لم يكن علينا أن نتلقى الأمر مرتين”.
ونُقل العديد من هذه الرسائل عبر أجهزة اللاسلكي إلى الجنود في جميع أنحاء البلاد. لم يكن من الواضح تمامًا من الذي أعطى هذه الرسائل.
و سمع محمد علي، وهو ملازم في اللاذقية، معقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، رسائل مماثلة بعد بضعة أيام. لم يتعرف على الصوت على الطرف الآخر من الراديو وافترض أنهم المتمردون الذين يقتربون.
ومثل الرقيب سليمان، لم ينتظر هو ورجاله لمعرفة ذلك، فوضعوا أسلحتهم في مستودع، وارتدوا ملابس مدنية واتجهوا إلى ديارهم.
ومن ناحية أخرى، كان العقيد وسيم أحمد من فرقة القوات الخاصة الخامسة والعشرين متمركزًا في منطقة قمحانة في حماة، مدركًا أن المدينة ستكون التالية في مرمى المتمردين بمجرد سقوط حلب.
وأضافت الصحيفة أن إيران وروسيا، حلفاء النظام في ساحة المعركة شعرتا بالفزع إزاء السرعة التي سقطت بها قوات الأسد، وأخبروا الرئيس أنه يجب عليه الاحتفاظ بحماة إذا كان هناك أي فرصة لمواجهة الهجوم.
وقال عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في وقت لاحق للتلفزيون الإيراني: “لم يصدق أحد أن هذا يمكن أن يحدث. ما كان مفاجئاً هو أولاً عجز الجيش السوري عن مواجهة الموقف، وثانياً الوتيرة السريعة للتطورات”.
وقال العقيد أحمد: “لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق عبر الراديو. لم تكن هناك أوامر من كبار الضباط. مجرد صمت. وسرعان ما أصبح من الواضح أن كل رجل مسئول عن نفسه”.
وبعد توديع زملائه، غير العقيد أحمد ملابسه وارتدى بنطالاً من الجينز، وركب سيارته تويوتا تندرا المخصصة للجيش، ووضع بندقيته في حيز الأقدام وانطلق بعيداً عن ساحة المعركة.
التعليقات