ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يبدو أنها ستكون ملتزمة بالتوصل إلى تسوية وسلام في أوكرانيا، وأن الهدف الرئيس والأكثر جوهرية لأي محادثات (كما هو الحال في جميع المفاوضات المشابهة) يتمثل، من ناحية، في تحديد كل جانب بوضوح، مصالحه الحيوية وشروطه المطلقة وغير القابلة للتفاوض، ومن ناحية أخرى، تحديد النقاط التي سيكون هذا الطرف مستعدا، من حيث المبدأ، للتنازل عنها .
وأوضحت المجلة أن الأمور الظاهرة حاليا تشير إلى أن المواقف غير القابلة للتفاوض بين الأطراف المعنية (أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة) متعارضة بشكل أساسي وغير متوافقة، وبالتالي فشل المفاوضات. ولكن معرفة ذلك لن يتجلى قبل الكشف عن هذه القضايا من كل جانب .
وأكدت المجلة ضرورة أن تكون المراحل الأولية من المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا فقط، مع مراعاة أن جوانب معينة من الاتفاق النهائي ستتطلب موافقة أوكرانيا، حيث بدون موافقتها لن يكون ممكنا التوصل إلى تسوية شاملة. وأشارت المجلة في هذا الصدد إلى أن هذه الجوانب تشمل شروط وقف إطلاق النار، وطبيعة ومدى المناطق منزوعة السلاح، وأي تعديلات دستورية تضمن الحقوق اللغوية والثقافية للروس والمتحدثين بالروسية في أوكرانيا، وهو ما يفرض على المفاوضين الأمريكيين أن يكونوا على دراية كاملة بآراء كييف بشأن المصالح الحيوية لأوكرانيا واحترامها .
ولفتت “فورين بوليسي” إلى أنه نظرا لبعض المواقف الأوكرانية التي وصفتها المجلة بـ “المشروعة والقاطعة”، فإن عددا من القضايا الرئيسية يبدو أنها ستكون خارج الطاولة بشكل مسبق، وأنه إذا أصرت روسيا على هذه المواقف، فلن يكون من الممكن التوصل إلى اتفاق. وبالتالي، فإن المهمة الأولية الأكثر أهمية للجنرال كيث كيلوج (الذي اختاره ترامب مبعوثا خاصا إلى أوكرانيا) وفريقه، ستكون اكتشاف موقف الحكومة الروسية من الشروط غير القابلة للتفاوض، ومدى استعدادها (موسكو) لتقديم تنازلات إذا كانت إدارة ترامب مستعدة للتنازل في قضايا أوسع نطاقا .
ورأت المجلة الأمريكية أن القضية الأولى غير القابلة للتفاوض من وجهة نظر أوكرانيا والولايات المتحدة هي الاعتراف القانوني الأوكراني والغربي، بأن أوكرانيا لا تستطيع في ساحة المعركة استعادة الأراضي (التي ضمتها روسيا)، وبالتالي يتعين عليها قبول الأمر الواقع، في انتظار نتيجة المفاوضات.
وتتمثل القضية الثانية غير القابلة للتفاوض في مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانسحاب أوكرانيا من الأراضي التي لا تزال تسيطر عليها في المقاطعات الأربع التي تدعي روسيا أنها ضمتها. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة لكييف، وفقا للمجلة الأمريكية، ويجب أن يكون كذلك بالنسبة لواشنطن. فلا ينبغي لواشنطن أن تشجع أوكرانيا أو تساعدها على تدمير نفسها، وهو الأمر الذي ستوضحه الحكومة الأوكرانية بدون شك لإدارة ترامب، ويجب على الولايات المتحدة أيضا قبول وجهة نظرها باعتبارها حاسمة.
ورغم ذلك، فإن بعض النقاط الأساسية الأخرى –وفقا للمجلة الأمريكية- لا يعود حلها إلى أوكرانيا، حيث إنها متروكة بشكل أساسي للولايات المتحدة، والإدارة الأمريكية هي التي ستضطر إلى التفاوض عليها، مثل فرض قيود على القوات المسلحة الأوكرانية، إذ إن الأخيرة تعتمد اليوم على الولايات المتحدة، التي تعد الوحيدة القادرة على تزويد أوكرانيا بالصواريخ بعيدة المدى والمعلومات الاستخباراتية اللازمة لتوجيهها. كما أن النقطة المتعلقة بالعقوبات الغربية التي ينبغي رفعها أو تعليقها كجزء من صفقة مع موسكو متروك أيضا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أضف إلى ما سبق مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حيث إن قرار قبول عضو جديد لا يقع على عاتق الدولة الراغبة في الانضمام بل على عاتق الأعضاء الحاليين، حيث لكل منهم حق النقض. لذا، فإن الأمر متروك لواشنطن لتقرر مقدار النفوذ الذي ينبغي لها أن تمارسه على الأعضاء الآخرين والضغوط التي ينبغي لها أن تمارسها عليهم بشأن قبول عضوية أوكرانيا، مع مراعاة أنه لا يمكنها ببساطة أن تتجاوز حق النقض المحتمل من جانب المجر وتركيا أو ربما فرنسا، إذا أصبحت مارين لوبان الرئيسة المقبلة.
كما أن مسألة الضمانات الأمنية الغربية التي يمكن وينبغي أن تمنح لأوكرانيا كجزء من التسوية ليست من اختصاص أوكرانيا أيضا. فعلى سبيل المثال، في السابق، اقترح الرئيس الأوكراني نشر قوات من الدول الأعضاء الأوروبية في حلف شمال الأطلسي، وهو ما أشار بعض المسئولين والمعلقين الغربيين، إلى أنه قيد المناقشة بين الرئيس الفرنسي والحكومة البولندية. ولكن الأخبار الواردة من موسكو تؤكد أن هذا أمر غير مقبول بالنسبة للروس مثله مثل عضوية حلف شمال الأطلسي، وبالتالي ستصبح مسألة التوصل لاتفاق سلام وتسوية (في هذه الحالة) مستحيلا. ويجب هنا مراعاة أن الدول الأوروبية لن توافق على إرسال قواتها إلا إذا حصلت على ضمانة قوية من واشنطن بأنها ستتدخل إذا تعرضت للهجوم. وهذا في الواقع يعيد القرار إلى واشنطن، وليس كييف، أو بروكسل أو وارسو أو باريس.
وعلاوة على ما سبق، فإن دوافع روسيا في البداية لشن هذه الحرب تمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، حيث تتناول العلاقة الأمنية بين روسيا والغرب، بقيادة الولايات المتحدة، حيث تشمل المطالبة بفرض قيود على القوة العسكرية وبعض أشكال البنية الأمنية الأوروبية، بصورة تراعي المصالح الروسية الحيوية وتجنب الصدامات المستقبلية.
واستنادا لما سبق، نبهت “فورين بوليسي” إلى أن إدارة بوتين أو إدارة ترامب ــ أو كلاهما ــ قد ترفضا تقديم تنازلات، وبالتالي تنهار المحادثات. ولكن اختبار هذا الأمر سيكون عملية معقدة وصعبة للغاية، ويتطلب الصبر والبراعة الدبلوماسية من الجانبين. كما أنه سيكون من الحماقة الشديدة أن نتوقع من روسيا أو الولايات المتحدة أن تضعا كل أوراقهما على الطاولة في وقت واحد.
التعليقات